عِش بعقلية لاعب كرة الطائرة
ركز على الكرة الموجودة أمامك، لا تفكر في المباراة كلها دفعة واحدة بل كيف تكسب النقطة الحالية فقط
كثير من الضغوطات اللي نعيشها في حياتنا اليومية هي صناعة ذاتية. نفكر في احتمالات مستقبلية ربما لن تحدث أبداً، نبالغ في التخطيط لها حتى نُصاب بشلل التفكير. هنا يأتي مفهوم كرة الطائرة - اللي اخترعته أثناء كتابة المقال: ركز على الكرة الموجودة أمامك، لا تفكر في المباراة كلها دفعة واحدة بل كيف تكسب النقطة الحالية فقط.
في كرة الطائرة، إذا تأخر اللاعب ثانية، أو جزء من الثانية، ستسقط الكرة ويخسر النقطة. أحيانًا يكون هدف اللاعب هو فقط لمس الكرة بأي شكل حتى تعود للملعب الآخر، وليس بالضرورة كسب النقطة على الفور.
وبنفس المفهوم في حياتنا، ليس المطلوب دائمًا تحقيق الهدف النهائي فوراً بل الاستمرار في التقدم ولو بخطوات صغيرة، خطوة صغيرة اليوم أو نقطة واحدة تكسبها أفضل من محاولة السيطرة على المشروع أو الخطة كاملة. بدلاً من أن تتوقف، أعد "الكرة" لملعب الطرف الآخر وحاول تكون جاهز أكثر عندما تعود لك.
ملعب الطرف الآخر قد يكون مع ذاتك
ليس بالضرورة يكون "الطرف الآخر" شخصًا آخر؛ بل ربما يكون تلك النسخة المثالية التي بداخلك. فمثلاً إذا كنت تسعى لتبني حياة صحية، قد تجد نفسك تفكّر في عشرة عقبات: ما عندك اشتراك في النادي، ولا حذاء رياضي مناسب، وتفتقر للمعرفة في التغذية الصحية، وكذلك بيئة الأصدقاء المشجعة. لكن بدل التفكير في عشر خطوات رماها عليك شيطانك الداخلي، ابدأ بخطوة واحدة: مثلاً، المشي لمدة نصف ساعة يومياً لمدة أسبوع. بذلك تكون كسبت نقطة، بعد أسبوع كامل من الالتزام بالمشي نفكّر في الخطوة التالية والتالية، وهكذا.
وفي العمل والعلاقات مع الآخرين
في أحد المشاريع، كان عندنا إطلاق لأحد المنصات الرقمية وكنا غير جاهزين بشكل كامل. كان أمامنا خيارين:
- الأول نطلب المزيد من الوقت، لكن هذا يضعنا تحت ضغط أكبر، لأن هناك عدة أقسام أخرى مشاركة في عملية الإطلاق. التأجيل كان يخلق عاصفة من الأسئلة: "ليه تأخرنا؟" و"متى نكون جاهزين؟" و و و.
- الثاني: نبدأ بإجراءات الإطلاق حتى لو لم نكن جاهزين تمامًا، وهذا يمنحنا بعض الوقت لإنجاز ما تبقى. بهذا نكون قد تقدمنا خطوة ولو صغيرة، وتحت ضغط أقل، مما يتيح لنا مرونة أكبر للتفكير بهدوء وإيجاد حلول للمشاكل التي قد تطرأ لاحقًا. بمبدأ كرة الطائرة: لم تتوقف الكرة عندنا بل أعدناها لملعب الطرف الآخر، وعندما رجعت لنا الكرة مرة أخرى كنّا في وضع أفضل للتعامل معها.
هل هذا هروب من المسؤولية؟
قد يُفهم هذا الكلام بشكل خاطئ على أنه هروب من المسؤولية أو إلقاءها على الآخرين، الهدف هو الاستمرارية، مواصلة الحركة ولو بشكل غير مثالي حتى تكتمل الخطوات وتتضح المعالم من تلقاء نفسها، بل من الوقوع في فخ التفكير ثم التفكير ثم التفكير وبالتالي التوقف. الاستمرارية ولو بخطوة بسيطة تعطي مجالًا لنفسك أو للآخرين للتحرك وأخذ خطوات أخرى وإبقاء الإنتاجية مستمرة.
بالتأكيد هذا المفهوم لا يناسب كل المواقف، لكنه يناسب مواقف أكثر مما نعتقد. تماماً كما في كرة الطائرة، الهدف أحيانًا ليس الفوز الفوري، بل الاستمرار في اللعب وتمرير الكرة. هكذا هو الحال في حياتنا اليومية والمهنية؛ ركز على الخطوة التالية ولا تشتت نفسك بما سيحدث بعد عشرة خطوات. كل خطوة تقربك أكثر من الهدف وتبقي "اللعبة" مستمرة، وتعامل مع التحديات عندما تظهر. تعامل بمبدأ: "يصير خير" أو كما يعبرون عنه في الإنجليزية: "I’ll deal with it when I have to deal with it."
وسلامتكم.
أشارك قصصي وتجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.