مين بيدفع لك في مشروعك الناشئ؟
لا تبحث عن إبرة في كومة قش!

يقع كثير من رواد الأعمال في المراحل الأولية للمنتج في فخ تأجيل اختبار وتحسين مصادر الإيرادات بحجة أنها سابقة لأوانها، وأن اختبار الاحتياج يأتي أولاً ثم يتبعه اختبار استعداد العميل للدفع.
أحد الأسباب التي تجعل اختبار الإيرادات صعب ويفرّ منه المؤسسين هو أنه يستهدف "جميع الناس"، فئات وشرائح واسعة من المستخدمين أصحاب الاحتياجات والتحديات والدوافع المختلفة.
وبالتالي تظهر مهمة اختبار الإيرادات ضخمة وثقيلة، ويصبح كما يقول المثل "يبحث عن إبرة في كومة قش" حيث تتشتت جهودك في محاولة إرضاء جميع العملاء والبحث عن حل يناسبهم جميعاً. النتيجة هو حل جيد لكن ليس جيد كفاية أن أفتح محفظتي وأدفع مقابله.

حجم السوق الكبير يغري المؤسسين ومن خلفهم المستثمرين، لكن من سيدفعون لك في البدايات هم فئة صغيرة وصغيرة جداً من المستخدمين، تسمّى عادة المتبنون الأوائل (Early adopters)، وهم أصغر مجموعة من المستخدمين الذين لديهم نفس المشكلة، ويكلّفهم وجود المشكلة الكثير، ويبحون بشكل فعّال عن حل، ويتعاملون بشكل بدائي حالياً مع تلك المشكلة.

أسئلة تساعدك تحدد مين بيدفع لك
حتى تصل إليهم تحتاج تتعمق المزيد، طبيعي أن تبدأ بشريحة واسعة خصوصاً إذا خبرة المؤسسين ضعيفة في القطاع، استمر وتعمّق أكثر وأكثر حتى تصل لأكثر فئة تعاني من تلك المشكلة. تذكّر بوصلتك هي إيجاد مجموعة تدفع لك مقابل استخدام حلّك، لذلك اسأل نفسك الأسئلة التالية حتى تصل إليهم:
هل فئة العملاء هذه واعية لوجود المشكلة؟ إذا لا، تجاهل هذه الفئة بشكل كامل في المرحلة الحالية.
هل يبحثون بجدّية عن حلول؟ إذا لا، تجاهل أيضاً هذه الفئة في المرحلة الحالية.
كم يدفعون بالفعل حالياً على حلول أو أدوات مشابهة؟
كم يكلّفهم عدم وجود حل مناسب؟ كم يخسرون بشكل مباشر أو غير مباشر؟ (عادة لا يُسأل كسؤال مباشر، بل يحتاج تعمق في الوضع الحالي واستنتاجات من المؤسسين)
هل بالفعل خصّصوا ميزانية لإيجاد حل؟ أو يمكنهم تخصيص ميزانية اليوم؟
مثال كيف تحدّد من يدفع لك
حتى تحدد مجموعة عملاء ضيّقة النطاق تدفع لك مقابل الحل الذي تقدمه، من الأفضل تحدّدهم بناء مجموعة تمتلك نفس الأهداف. لنأخذ مثال لمنصة تقدم خطط وجبات صحّية للمشتركين، هذه مجموعة من فئات المستخدمين بالترتيب من الفئات الواسعة إلى الشرائح الأكثر تحديداً:
الشريحة الواسعة: الأشخاص الراغبون في تناول وجبات صحية. هذه تظل شريحة ضخمة وغير متجانسة، تتباين دوافعها وسلوكياتها وقدرتها الشرائية.
شريحة متوسطة: الموظفين اللي يفضلون تناول وجبات صحية أثناء العمل. لا تزال شريحة عامة، تشمل من يحضر وجباته من المنزل، وكذلك من يطلب من المطاعم.
شريحة ضيقة: العاملين في القطاع الصحي اللي يعملون بنظام المناوبات، ويواجهون صعوبة في الحصول على وجبات صحّية أثناء الدوام. هنا نبدأ في ملامسة شريحة متجانسة نسبياً تعاني من المشكلة يوميًا، وتعاني من إرهاق توفير البدائل المناسبة.
شريحة دقيقة: الممرضين في المستشفيات الحكومية العاملين في المناوبات الليلية، ويصرفون شهرياً أكثر من 600 ريال على وجبات غير صحّية بسبب عدم توافر الخيارات الصحية في ساعات عمل متأخرة. هذه الشريحة يمكن وصفها بـ المتبنين الأوائل، الذين يعيشون المشكلة بشكل متكرر، ويُظهرون سلوك يشير إلى استعداد للدفع مقابل حل مناسب.
تحديدك لمجموعة دقيقة يساعدك على إيجاد العملاء بشكل أسهل والتحدث معهم وصياغة رسائل تسويقية مناسبة تلمس الوتر الحسّاس الذي يعانون منه وترفع من احتمالية قبول عرضك، مقارنة برسائل تسويقية عامة تستهدف الجميع دون تمييز، والتي تُضعف ثقة العميل وتشعِره أن العرض ليس مخصصًا له. في المقابل، الاستهداف العشوائي يُظهرك بمظهر اليائس الذي يبحث عن أي عميل، وليس العميل المناسب.
انس اللي تعرضه للمستثمرين في العرض الاستثماري حول حجم السوق المقدّر بعشرات الملايين من العملاء، هذا هدفك بعيد المدى لكن تركيزك الحالي هو أن تجد أصغر مجموعة من العملاء الذين لديهم نفس المشكلة بحيث تقدم لهم حل مبدئي يدفعون عليه مقابل مالي.
المتبنيين الأوائل عادة فئة مهملة لا يجدون احتياجاتهم في الحلول الأخرى في السوق، ولذلك أي حل تقدمه لهم مهما ظهر بدائي سيكون ممتاز ويستحق الدفع عليه إذا لامست ذلك الاحتياج بشكل سليم.

أحكي تجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات نمو المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.