لقائي في سوالف بزنس: لماذا تفشل المشاريع الناشئة؟

وماذا تعلّمت من تجاربي في المغاسل والعقار؟

في لقائي مع مشهور الدبيان في بودكاست سوالف بزنس، شاركت تجربتين لي في ريادة الأعمال، منصة المغاسل في 2016 ومنصة التقييم العقاري في 2018، ماذا تعلّمت وكيف استفدت منهم في مسيرتي مع ويبوك وهلايلا وعدة جهات ومشاريع أخرى مثل روح السعودية ونسك.

تميّزت الحلقة التي كانت على مسرح بيبان بأسئلة وتفاعلات رائعة من الجمهور، لدرجة أننا لم نتمكن من تغطية كافة المحاور. ونظراً لهذا التفاعل المدهش، قررت أكتب سلسلة مقالات امتداد للحلقة استهلّها بهذا المقال اللي يشرح أربعة دروس أساسية تعلمتها في رحلتي الريادية وكيف استفدت منها وطبقتها بنجاح في شركات ومنتجات وتجارب لاحقة.

1. انزل للسوق بدري

في منصة التقييم العقاري اللي حكيت عنها في اللقاء، كان طموحنا كبيرًا وحبينا يكون المنتج على أعلى مستوى. وظفنا فريق تقني كامل وطوّرنا نسخة "متقدمة" من المنتج قبل النزول للسوق. استغرقنا حوالي سبعة أشهر من التطوير، وبعد النزول للسوق وجدنا المنتج بالفعل يحل مشكلة مهمة لكن لشريحة عملاء أصغر مما توقعنا، واحتجنا فترة طويلة للتعديل حتى نصل لنموذج عمل مدر للدخل ومناسب.

كيف استفدت من هذا الدرس؟ في منصة موجّهة لقطاع الأعمال في مجال السياحة، طورنا نسخة "بسيطة" من المنتج ونزلنا للسوق لفترة تجريبية دون حملات تسويقية، فقط حددنا وتواصلنا بشكل مسبق عدد من العملاء، تحديداً كانوا 6 شركات فقط، استخدموا المنتج لمدة 3 أسابيع كاملة من العمل الحقيقي. تلقينا ملاحظات مباشرة وتعرفنا على الخصائص الضرورية بالفعل، ثم طوّرناها في النسخة التالية.

الفرق بين المثالين كبير، في المثال الثاني تحققنا من استعداد العميل للدفع خلال شهرين، وفي المثال الأول استغرقنا عشرة أشهر على الأقل حتى نصل لنموذج العمل المناسب. بعد سنة من عملنا على المنصة في مجال السياحة كان عدد مزودي الخدمات المنضمين يتجاوز الثمانين، وهو رقم ممتاز مقارنة بالبنشمارك العالمي ووضع السوق.

تتنوع الأسباب اللي تخلي الرياديين يستغرقوا وقت في بناء المنتج، لكن في اعتقادي وملاحظتي غالباً مصدر كل هذه الأسباب هو الخوف من الفشل، محاولة تفادي الصفعة الأولى في السوق، لكنها قادمة لا محالة إلا في حالات نادرة، متى آخر مرة سمعت شخص بدأ مشروع وانطلق دون عقبات؟ أو شخص نجح من أول مشروع له؟

تقبّل الصفعات الصغيرة بحيث تتقدم أسرع. كيف؟ عن طريق الاختبارات السريعة قبل أن تعلّق الآمال وترفع التوقعات. سأشرح عدة أساليب تساعدك على هذا في مقال قادم بإذن الله.

2. شخّص المشكلة قبل الحل

هنا قد لا أحتاج أحكي قصة وتجربة، ربما حصل هذا معك أو مع أحد قريب منك، بدأ مشروع ثم تفاجأ ماحد اشتراه. الشائع في البشر هو الميل الفطري للحلول والأفكار أكثر من فهم وتشخيص المشاكل.

في منصة قطاع السياحة اللي تحدثت عنها، كانت أحد الفرضيات عندنا هي أن مزودي الخدمات السياحية يعانون من التسويق والبيع، وفي أحد الجولات البحثية اكتشفنا جانب معاناة آخر لبعضهم، وهي التواصل الفعّال مع مزودي الخدمات الآخرين للحصول على تسعيرات، فهم المشكلة بشكل جيد كان نقطة البداية لمنصة جديدة منفصلة لها إيراداتها المستقلّة وفريقها الخاص!

من أين تعلّمت هذا الدرس؟ التعمق في فهم المشكلة درس تعلمته من تجربتي في منصة المغاسل، لأنه في ٢٠١٦ عندما ذهبنا لملّاك المغاسل كان تركيزنا على عرض فكرة المنصة، وليس الاستماع إلى تحدياتهم ومشاكلهم ثم التفكير في كيفية حلها.

كل تجاربي في السوق خلال تسعة سنوات أثبتت أن وأد التحيزات أمر جوهري، أن تكون فضولي مع شريحتك المستهدفة، تعيش بعقلية المبتدئ معهم لا الخبير، تتخيل الأمور من زاويتهم وتصوراتهم.

باختصار أن تبلع لسانك وتترك آذانك تنصت وعينيك تلاحظ، وسيأتي وقتها الحل الصحيح. كيف تنصت وماذا تسأل؟ سأكتب مقال مفصّل أكثر حول هذا الجانب قريباً.

3. اصطاد حيث يوجد السمك

ارجع بالذاكرة إلى 2016 حيث طفرة الهواتف الذكية وتطبيقاتها، كل شيء يأتي إليك بدل أن تذهب إليه كما اعتدنا، منصات التوصيل والطعام والتسوق وغيرها. كنا نطمح لأن تكون منصتنا جزءًا من هذا التوجه. لكن بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر، وحوالي 90 زيارة لمغاسل، وجدنا أن سوق المغاسل لم يكن جاهز لهذا التحوّل. سوق المغاسل تقليدي جداً حتى إلى يومنا هذا بعد 9 سنوات من التجربة!

ما المغزى من هذه النقطة؟ المشاريع التي ليس لها منافسين تعني - بدون تلطيف - أنه لا يوجد احتياج حالياً، تحتاج تحفر في الصخر، تصنع الوعي وتعلّم السوق. ثم بعد هذا الجهد الهائل قد يأتي من يستفيد من أخطائك وتجاربك وينطلق أسرع منك ويسبقك.

والرهان على البدء وكونك صاحب الأسبقية حتى تحين اللحظة المناسبة هي غير عملية غالباً. من الصعب جداً توقيت السوق والتنبؤ متى تأتي هذه الفرصة التي يعي أو ينضج فيها السوق، وهي درجة مخاطرة عالية ينجوا منها القلّة القليلة من الشركات الناشئة، وهم شركات أو مؤسسين صاملين محاربين لسنوات من المعاناة حتى تأتي لحظة غير متوقعة تقفز بالشركة قفزات مهولة، وهو ما لا يتحمله الغالبية العظمى من البشر، الرياديين وغيرهم.

على سبيل المثال قطاع المغاسل إلى اليوم وبعد 9 سنوات من تجربتنا لم يصل لمرحلة تغيّر سلوك المستخدمين التي يجعل من مشروع لتوصيل المغاسل مجدي كما في توصيل الطعام والمتاجر الالكترونية. لا أحاول إحباطك هنا، فقط كن واعٍ بأن توقيت السوق أمر شبه مستحيل، ثم قرر هل تتحمل تلك المخاطرة أم لا.

ما هي المؤشرات على نضج السوق أو العلامات اللي يمكن اقتناصها فيما يتعلق بالتوقيت سأتكلم عنها في مقال قادم بإذن الله.

4. اختر مشروع يشهبك

في تجربتي ٢٠١٦ في منصة المغاسل قررنا التحوّل لنموذج تشغيلي، وبعد سنة تقريباً من التشغيل أدركنا أننا في مجال بعيد عن اهتماماتنا، تشغيل المغسلة مختلف كلية عن إنشاء منصة للمغاسل.

تعلمت من هذه التجربة أهمية اختيار مشاريع تتوافق مع خبراتي واهتماماتي، وهو ما طبّقته في منصة التقييم العقاري في ٢٠١٨، حيث عملت مع فريق يمتلك خبرة كبيرة في المجال، حيث تمكنت من التركيز على تطوير المنتج واستكشاف العملاء بشكل فعّال. والأهم تلاقت اهتماماتي واهتماماتهم في حل تلك المشكلة.

كما أن التركيز على مشروع يشبهك يخفف من الضغوط النفسية، ويمنحك طاقة للاستمرار لأن الرحلة طويلة، ووقودها إيمانك بها وتكاملها مع خبراتك.

كانت هذه بعض الدروس التي استخلصتها من تجاربي. سأفصّل أكثر في مقالات قادمة. ودمتم بخير.

نشرة يمان
نشرة يمان
كل سبت

أشارك قصصي وتجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.