كيف تتوسع المنصات السوقية بشكل فعال؟
التركيز على نطاق جغرافي محدد، وشريحة عملاء واضحة، وقطاع واحد أثبتت فعالياتها دائماً
حضرت قبل فترة احتفالية خاصة لشركة ناشئة بمناسبة إغلاق جولة استثمارية بعد وصولها ملائمة المنتج للسوق، في نقاش جانبي مع المؤسس الشريك كان بقدر فرحته بالوصول لتلك المرحلة إلا أن خواطر حول "ما الخطوة القادمة" تكررت على لسانه.
قادنا هذا لجلسة لاحقة شاركني فيها خطته للتوسع، والتي تضمنت التوسع لخمسة قطاعات جديدة. هذا توجّه طموح بالتأكيد، لكن الحوار كشف كذلك عن أهمية فهم الأسباب خلف اختيار هذه المجالات، وضرورة تحديد الأولويات.
من خلال خبرتي لسنوات في العمل على المنصات السوقية (Marketplaces)، وجدت أن التوسع المُركّز هو الأنسب، مع استثناءات سأذكرها في نهاية المقال، بحيث يتم التركيز في كل مرحلة توسعية على نطاق جغرافي محدد، وشريحة عملاء واضحة، وقطاع واحد لمزودي الخدمات.
بهذه الطريقة ليس فقط يتم تقليل الهدر أو المخاطر، بل الأهم تتعلّم كيف تنسخ أسلوب وخطوات النمو وتكرّرها في قطاعات أو أسواق جديدة مشابهة. أما عن التوسع السريع رغم سيلان لُعاب غالبية رواد الأعمال له إلا أن له تحديات كثيرة أسرد بعض منها، من تجاربي، في السطور القادمة:
من جانب العملاء (Demand Side)
١) استخدام اللغة التسويقية وقنوات التوزيع المناسبة:
كلّما كانت خطة الخروج للسوق محددة المعالم، كلما وجدت عملائك المحتملين أسرع: تعرف كيف تتحدث معهم بالأسلوب اللي يفهمونه، تبدأ من احتياجاتهم وتحدياتهم، تعرف أين تجدهم وتصل لهم أسرع، تصيغ لهم محتوى محدد، تحسّن محركات البحث (SEO) ليجدوك بشكل أسرع، وغيرها من الأساليب لاجتذاب العملاء.
٢) إدارة توقعات العملاء:
أسهل وصفة لخسارة العميل هي أنه يدخل يبحث عن شيء ولا يجد النتائج اللي تلبي توقعاته واحتياجاته. لذلك عند استهداف قطاعات متعددة ومناطق جغرافية واسعة لا تستطيع المنصة تغطيتها جميعاً، ستزيد من احتمالية عدم تلبية احتياج العميل، وبالتالي عدم شرائه هذه المرة، وعدم عودته مرة أخرى، وربّما نصح سبعة وثلاثين شخص من محيطه أن لا يستخدموا منصتك.
٣) تقديم تجربة عميل ملائمة:
بناء رحلة عميل واحدة لتصنيفات مختلفة هو أمر شبه مستحيل، لأن كل شريحة لها أهداف وتوقعات وإجراءات مختلفة، مثلاً صفحة البحث وفلاترها تختلف من تصنيف لآخر، صفحة عرض المنتج وهيكلة المعلومات فيها، صفحة الشراء ومتطلباته، كلها تختلف من تصنيف أو قسم لآخر. في النهاية تنتصر المنصات المتخصصة اللي تسهّل على العميل أخذ القرار.
من جانب مزودي الخدمات (Supply Side)
١) التباين في درجة نضج القطاعات:
تختلف درجة نضج مزودي الخدمات من تصنيف لآخر، أو من فئة مزودي خدمات لأخرى. بعض الفئات ناضجة بما فيه الكفاية لاستخدام خدمة ذاتية وبعضها تحتاج تدريب وتعوّد لفترة من الزمن. لذلك وإن كان المنتج بُني بشكل خدمة ذاتية، ستجد كل فئة لها طريقة مختلفة في استهدافك لها وتسجيلهم والاحتفاظ بهم في المنصة.
٢) تمكين مزودي ومساعدتهم على التسجيل:
في المراحل الأولية للتوسع، لا أحد يعرفك، و/أو مزودي الخدمات معتادين على طرق وقنوات أخرى للبيع، لذلك لا مفر من أنك تضيف مزودي الخدمات بشكل يدوي، تجلس معاهم وتشرح لهم وتساعدهم في التسجيل وإضافة خدماتهم ومنتجاتهم عندك (هذا أكثر وضوح في الأسواق الغير ناضجة، الغير مشبّعة بالمنافسين).
٣) تصميم أدوات ملائمة لمزودي الخدمات:
كذلك في بناء واجهة للأعمال لإضافة منتجاتهم وأسعارهم ومتابعة مبيعاتهم، كل قطاع من مزودي الخدمات له احتياجاته وطريقة عمله اليومي. لذلك بناء واجهة واحدة لعدة تصنيفات سيخرج منتج عام لا يلائم ولا يجذب أغلب المزودين.
هل يوجد استثناءات؟
في الأسواق الناشئة وغير الناضجة، أحياناً يكون استهداف قطاعات وفئات متعددة وسيلة لتقليل المخاطر، حيث يسمح بتجربة عدة فرص دون الاعتماد الكلي على شريحة واحدة قد لا تكون جاهزة. على عكس الأسواق الناضجة، حيث المنافسة شرسة والعملاء معتادون على نماذج تشغيل واضحة ومحددة، والمنافسين لديهم خطط مستمرة للاحتفاظ بالعملاء لفترات أطول.
في النهاية، النجاح لا يأتي من سرعة الانتشار، بل من قوة الأساس. ما أكثر المنصات اللي ظهرت سريعاً لكن اختفت أسرع كذلك. ودمتم بخير.
أشارك قصصي وتجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.