لا تهرب من الكف الأول
لماذا يتأخر رواد الأعمال في النزول للسوق؟
في لقائي مع سوالف بزنس، شاركت تجربتي في ٢٠١٨ م مع منصة للتقييم العقاري، طوّرنا حينها نسخة "متقدمة" من المنتج قبل النزول للسوق استغرقت سبعة أشهر. بعد الإطلاق اكتشفنا أن المنتج بالفعل يحل مشكلة مهمة، ولكن لشريحة عملاء أصغر مما توقعنا، واحتجنا فترة طويلة للتعديل حتى نصل لنموذج عمل مدر للدخل ومناسب.
كيف استفدت من هذا الدرس؟ لاحقاً في ٢٠٢١ وفي منصة موجّهة لقطاع الأعمال في مجال السياحة، طورنا نسخة "بسيطة" من المنتج ونزلنا للسوق لفترة تجريبية دون حملات تسويقية، فقط حددنا وتواصلنا بشكل مسبق عدد من العملاء، تحديداً كانوا 6 شركات فقط، استخدموا المنتج لمدة 3 أسابيع كاملة من العمل الحقيقي. تلقينا ملاحظات مباشرة وتعرفنا على الخصائص الضرورية بالفعل، ثم طوّرناها في النسخة التالية.
الفرق بين المثالين كبير، في المثال الثاني تحققنا من استعداد العميل للدفع خلال شهرين، وفي المثال الأول استغرقنا عشرة أشهر على الأقل حتى نصل لنموذج العمل المناسب. بعد سنة من عملنا على المنصة في مجال السياحة كان عدد مزودي الخدمات المنضمين يتجاوز الثمانين، وهو رقم ممتاز مقارنة بالبنشمارك العالمي ووضع السوق.
لماذا يتأخر رواد الأعمال في النزول للسوق؟
تعددت الأسباب التي لاحظتها بعد تقديم أكثر من 30 استشارة لرواد أعمال، لكن أكثرها شيوعًا كان المثالية: عبارات مثل "في خاصيّتين بس بنطوّرهم بعدين ننزل" أو "لسه الواجهات غير مكتملة" سمعتها بشكل متكرر، وإذا تعمّقنا شوي خلف أسباب المثالية غالباً سنجد الخوف من الفشل هو السبب الحقيقي، محاولة تفادي الصفعة الأولى في السوق، لكنها -باستثناء حالات نادرة- قادمة لا محالة حتى مع كل التحسينات والمميزات. أكبر مشاكلك في هذه المرحلة المبكرة هو التحقق من القيمة وأن العملاء سيدفعون مقابل ما تقدّمه لهم، التحسينات تحتاجها بعد التحقق من استعداد العميل للدفع، وليس قبلها.
قبل ثلاث سنوات تقريباً تواصلت معي شركة ناشئة تقدم حلول ERP في السوق الخليجي وقررت دخول السوق السعودي. مرّت عدة أشهر من الاستشارة الأولى ثم تواصلوا معي مرة ثانية، وسألتهم كيف الوضع بعد النزول للسوق؟ قالوا لازال نحتاج شوية وقت نعدّل بعض الخواص بحيث تلائم السوق المحلي. وبعدها بشهرين تقريباً تكرر اتصال ثاني وسألت نفس السؤال وكانت الإجابة مشابهة. وفي بداية 2024 اتصل مؤسس الشركة يقول أنهم لم يستطيعوا منافسة أحد المنتجات اللي -الله يبارك لهم- اكتسحت السوق خلال فترة بسيطة.
هذه قصة من تجربة واحدة وعندي منها الكثير، شركة أخرى طوّرت نظام إدارة مخازن، وصديق طوّر منصة للإرشاد والاستشارات، القصص كثيرة لكن ليس الهدف إحباطك إنما التأكيد على أهمية عامل السرعة في الشركات الناشئة. دائماً هناك اختصارات وطرق للتحقق حتى قبل بناء المنتج أو أثنائه، وهو ما أشرحه في الجزء القادم من المقال.
مفهوم 50/50
مفهوم 50/50 مفيد لفريق التأسيس، بمعنى تقسّم وقتك - أنت وشركائك - 50% في بناء المنتج، والـ 50% الأخرى لجذب العملاء، وهذا من اليوم الأول وقبل جاهزية المنتج. النزول بدري ليس فقط هدفه التحقق والتأكد من القيمة والاحتياج مع المستخدمين، لكن:
- قد تبني منتج يحتاجه الناس لكن ما تقدر توصل لنموذج عمل ومصادر إيرادات مناسبة.
- أو تكتشف أن الشريحة المستهدفة أصغر مما كنت تخطط له قبل النزول للسوق.
- أو قد تكون تكلفة الاستحواذ على العميل أعلى من اللي توقعته.
لذلك تقسيم الجهد من البداية يخليك تتفادى هذه المخاطر وتختبر افتراضاتك بدري. أما الانتظار لحين جاهزية المنتج للبحث عن المستخدمين تعني أنك ستدخل في دائرة الفيدباك والتحسين بعد وقت طويل من التطوير قد لا تتحمل تكاليفه وربما تضطر للتوقف تحت الضغط المالي أو توقعاتك المرتفعة.
دائماً هناك اختصارات
أكثر شيء أتمنّى يعلق في ذهنك من هذا المقال أن هناك اختصارات للتحقق، ليس بالضرورة مطلقاً أن تبني نسخة MVP من المنتج كما هو شائع ويتكرر. نسخة الـ MVP ليس بالضرورة تكون منتج تم تطويره خصيصاً لاختباره في السوق، ممكن يكون حل يدوي يساعدك على اختباره مع شريحة صغيرة (جداً) وبعدها تقرر التوسع في التطوير أو تعديل الفكرة.
أعطيك مثال: قبل عدة سنوات طوّرنا منصة تربط مزودي الخدمات في مجال السياحة، بعد تطوير وإطلاق نسخة أولية بسيطة وجدنا أن الحل يحتاج تعديلات كثيرة حتى يقدم القيمة المرجوّة لمزودي الخدمات. كان القرار وقتها العودة للأسلوب البسيط: الايميل والواتساب والإكسل. بوجود شخص - وليس منصة - جالس في المنتصف ينسّق بين مزودي الخدمات، قدرنا نفهم الدائرة كاملة، إجراءات العمل بالتفصيل، أين نقاط الألم، أين فجوات التواصل بين مزودي الخدمات:
- عملية التفاوض على التسعيرة مهمة، ليست تسعيرة ثابتة أو مزاد بالنموذج الذي تخيلناه سابقاً.
- طريقة المفاضلة بين العروض تتدخل فيها معايير أخرى غير السعر، مثل الثقة في مزود الخدمات.
- طريقة التعميد والدفع تتم بطريقة محددة بين تلك الشريحة المستهدفة وتتطلب دفع مسبق.
بعد أسابيع من إعادة الإطلاق من جديد زاد معدل عودة مزودي الخدمات 20% في الشهور التالية.
دوماً هناك اختصارات حتى تختبر مقدرة أو استعداد العملاء للدفع، لست بحاجة إلى منصة، تستطيع إطلاق منتجك بطريقة الكونسيرج كما في المثال السابق، أو عدة طرق أخرى بسيطة لا تتطلب جهد تطوير عالي مثل:
- صفحات الهبوط: تصلح أكثر مع نماذج العمل الموجهة إلى المستخدمين مباشرة (B2C)، مع ذكر تفاصيل المنتج والقيمة والسعر، ثم طلب التسجيل المبكر. طريقة عرض التسجيل المبكر تحتاج حذر وإدارة لتوقعات العميل، بحيث يكون واضح أن المنتج قيد التطوير، شاهد منتجات منصة Kickstarter كنموذج.
- العروض التقديمية: تصلح أكثر مع نماذج العمل الموجهة لقطاع الأعمال (B2B)، جهّز عرضك التقديمي وانطلق للجهات حتى لو المنتج غير جاهز ولم تكتب سطر كود واحد. على الأغلب إجراءات البيع مع قطاع الأعمال ستأخذ عدة أشهر، على حسب حجم الجهة، وسيكون عندك الوقت الكافي للتطوير ولو نسخة أولية، وإدارة توقعات العملاء كذلك هنا مهمة.
لا تختبر مع شخص "يحبّك"
هذا شائع خصوصاً في المنتجات الموجهة للمستخدمين (B2C). قد يضحي بعض من يحبونك ببعض المبالغ المالية والشراء منك ليس احتياجاً منهم للمنتج بل بهدف دعمك وتشجيعك فحسب، لا تعتمد على هذه البيانات أبداً. ممكن تستفيد من الترشيحات والإحالات منهم لفتح نافذة تواصل مع أشخاص من معارفهم لا يعرفونك وتتحقق معهم.
افهم التحديات قبل اختبار الحلول
إذا كانت اختبارات الاستعداد للدفع مدمجة مع مقابلات المستخدمين لفهم الاحتياج، ابدأ أولاً بالتحديات التي تقابل العملاء، ثم اطرح الحلول لاحقاً بعد الانتهاء من سماع التحديات واحتياجات العملاء المشاركين. خطورة أن تبدأ بالأفكار في بداية المقابلة هو أن احتمالية وجود ردة فعل لدى المستخدم أعلى، سواء ردة فعل إيجابية أو سلبية. فعلى سبيل المثال إذا أعجب المستخدم بفكرتك قد يميل إلى المديح أو الأفكار أو أن يسمعك ما تريد سماعه طيلة ما تبقى من المقابلة، وعلى العكس إذا لم تعجبه الفكرة قد يكون متحفظاً وراغباً في إنهاء المقابلة في أسرع وقت، ولا يعطيك إجابات مفيدة حول الاحتياج والمشكلة.
ودمتم بخير.
أشارك قصصي وتجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.