كيف نعالج المنتجات المجانية؟

وايش ينقص شركة ناشئة لديها 3,000 عميل؟

يتواصل معي باستمرار مؤسسين لشركات ناشئة أطلقوا حديثاً منتجاتهم في السوق، الكثير منهم يكون لديه نشوة البدايات وحماس الإنجازات الأولية. يبدأ المؤسس رسالة البريد أو المحادثة بعرض بعض الأرقام الجيدة التي وصلوا لها خلال الأشهر الماضية من اختبار السوق، مثل:

"أطلقنا المنتج في السوق ولدينا 500 عملية حتى الآن، ونحتاج …"

أو "اختبرنا منتج في السوق، وعندنا أرقام جيدة ونحتاج مساعدة في …"

مثل هذا العرض يشُدّ انتباهي. يستهويني العمل مع المؤسسين أصحاب التجارب الحقيقية الذين نزلوا بالفعل للميدان. سأحكي لك قصة إحدى هذه القصص، شركة ناشئة في قطاع خدمات السيارات، والتي اكتشفت أن اكتساب 3,000 عميل في البدايات لا يعني امتلاك نموذج عمل ناجح.


ايش ينقص شركة ناشئة لديها 3,000 عميل؟

وصلني بريد إلكتروني من مؤسس شركة ناشئة تقدم خدمات في قطاع السيارات ومستلزماتها، تربط أصحاب السيارات ببعض مزودي الخدمات. خلال الأشهر الخمسة الأولى للإنطلاق، اكتسب الفريق أكثر من 3,000 عميل مسجل حسب ما تم عرضه لي في اجتماعنا الأول، وهو رقم مثير للإعجاب للوهلة الأولى. لكن عندما سألت: "كم عدد العملاء  الذين دفعوا؟، وكم نسبتهم من إجمالي المستخدمين؟"

كانت إجابة المؤسس أنه لا يوجد مستخدمين يدفعون حتى الآن لأننا نركّز، بحسب وصفه، على الإقبال وبناء العادة والولاء مع المستخدمين، ثم ننوي تقدم خدمات مدفوعة لاحقاً، خصوصاً مع تجربة سابقة لهم لإضافة خدمة مدفوعة سبّبت انخفاض كبير في معدلات الاستخدام، وتم إيقافها خلال أيام.

ما الحل؟ عملت معهم خلال الأسابيع التالية على اختبارات الإيرادات، بحيث نُبقي الباقة المجانية متاحة للمستخدمين، مع عرض خيارات مدفوعة بمميزات إضافية، للمستخدم الحرية في استخدام المزايا المجانية أو الحصول على المزيد من خلال الخدمة المدفوعة. أول مصادر الإيرادات المناسبة لنموذج عملهم كانت استشارة مدفوعة يدفعها العميل لمزود الخدمة وتحصل المنصة على رسوم خدمة من كل عملية دفع.


اختبر الإيرادات خارج المنصة أولاً

المميّز في اختبارات الإيرادات أنه في كثير من الأحيان يمكن إجراؤها خارج المنصة بشكل كامل. فمثلاً فور تسجيل مستخدم جديد يمكن للمؤسس أو فريقه، الاتصال بالعميل وتحيّته وعرض الخدمة بشكل مباشر. هذه الطريقة أكثر فاعلية في الاختبارات الأولية لأنك تتفاعل أكثر مع المستخدم، يسألك بشكل مباشر وتعرف لماذا يرفض العميل؟ ما الذي يجذبه أكثر؟ وكيف يمكن تحسين العرض؟

الاختبارات خارج المنصة وبشكل يدوي تساعدك تختبر وتعدل وتحسن بشكل سريع، بعد فترة من التفاعلات المباشرة تستطيع بناء رحلة الدفع داخل المنصة، وتضمين الاستنتاجات التي وصلت لها في التفاعلات المباشرة مع العملاء في رحلة العميل وتصميم واجهات وتجربة المستخدم، تستطيع مثلاً صياغة العناوين والرسائل والخطوات في رحلة العميل بشكل يلامس ما يدور في بال المستخدم ويلامس احتياجه في تلك اللحظة، حقائق اكتسبتها من عشرات المكالمات والتفاعلات المباشرة مع العميل بدلاً من التخمينات.


الخلاصة: لا تبني برج على أرض زجاجية

الواقع ليس فقط أن العملاء تحب "تجرّب" الأشياء الجديدة، التحدي الأكبر هو أن المؤسس يبني برج على أرض زجاجية هشّة. الإيرادات هي صلب العمل التجاري والابتكاري، وعليها تبني الدراسة المالية وتوقعات الأرباح المستقبلية، بدونها لا يختبر فرضياته حول، مثلاً، معدلات التحول المستقبلية: هل تتوقع 5% من إجمالي المستخدمين يشتركون؟ أم 2% أم 10% أم أكثر أم أقل؟ كيف تبني توقعاتك المالية التي يحتاجها المستثمرين أو تحتاجها في حساب تكاليفك إذا لم يكن لديك تجارب حقيقية في السوق؟

أحد أهم الصفات التي يحتاجها رائد الأعمال هو أن يكون جريء في تجاربه ولا يهرب من المواقف الصادمة، أن يتعامل مع أخطر فرضياته أولاً بأول ولا يؤجلها خوفاً من نتائجها. يحتاج المؤسس أن يواجه الحقائق مهما كانت صادمة ومربكة، أن تعلم اليوم أن المستخدم لن يدفع أفضل من غداً أو بعد ستة أشهر، هذا يساعدك على تغيير فكرتك أو نموذج عملك سريعاً وإيقاف نزيف الخسائر والجهود المهدرة. وفي بعض الأحيان تكون مخاوفك أبسط مما تتوقع، فربما لم يدفع العميل لأن واجهة المستخدم صعبة، أو أن السعر مرتفع قليلاً، أو أن طريقة عرض الخدمة والمعلومات لم تشرح القيمة بشكل سليم. في النهاية لن تعرف إذا لم تجرؤ على التجربة وتقبّل الصدمة.


نشرة يمان
نشرة يمان
كل سبت

أحكي تجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات نمو المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.