أعذار يحبّها المؤسسين ويكرهها السوق

أفكار تبدو منطقية حتى تواجه اختبار السوق الأول

أدخل من فترة لأخرى نقاشات مع مؤسسين في بداية رحلتهم، البعض يبالغ في بناء وتحسين المنتج قبل اختبار التوزيع أو التسويق، دون أي احتكاك فعلي مع السوق أو قياس ردة فعل حقيقية.

نعم هناك حالات يكون البناء المتقدّم خيار منطقي، مثل المشاريع التي تعتمد في جوهرها على تقنيات معقدة، أو عندما يرتكز المؤسس على قوة خاصة في التوزيع، أو يرتبط المنتج بعلامة تجارية قوية ... حديثي هنا موجّه للـ70٪ من المشاريع، لا للحالات الخاصة.

مع تكرار النقاشات لاحظت نمط مكرر من "الأعذار المقنعة" لتأجيل الإطلاق أو تعقيد النسخة الأولية.

"نستهدف قطاع الأعمال"

"اسمي معروف في السوق"

"أنا مهندس أقدر أبني بسهولة"

"عندي فريق والموارد موجودة"

هنا أشاركك هذه الأعذار كما أسمعها، ولماذا تؤدي - غالباً - لفوات الفرص أو إهدار الجهد:


1. "نستهدف قطاع الأعمال ويحتاجون نسخة متقدمة"

سمعت هذا العذر بشكل متكرر بين مؤسسي الشركات التي تستهدف قطاعات الأعمال، أن مسؤولي الشركات ماعندهم وقت للتجارب أو النماذج الأولية.

الواقع أن الشركات تعاني من مشكلات يومية، وبعضها يبحث بجدية عن حلول فورية، حتى لو كانت أولية أو مؤقتة، بشرط أن تلامس ألم حقيقي.

في منتجات قطاع الأعمال التي أطلقناها في هلايلا قبل سنوات، وقعنا عقود قبل أن نطور سطر كود واحد. كيف؟

  • فهمنا المشكلة بدقة، وأعطينا وقت كاف للاستكشاف.

  • جهزنا عرض تقديمي مع بروتوتايب أولي (تصميم واجهات).

  • نفّذنا بسرعة عند ظهور إشارات قبول.

لا أحد ينتظر منتج "متكامل"، بل منتج يعالج الألم ولو بشكل أولي.

إذا ما كان عندك إجابة واضحة ومقنعة - للعميل وليس لك - لسؤال: "ما الفرق بينك وبين البدائل الحالية؟" فأنت لا تزال في خطر، مهما بلغت دقة التنفيذ.


2. "اسمي معروف في السوق ولا يليق أطلق شيء بسيط"

عبارة سمعتها عدة مرات لأشخاص يرغبون في بناء منتج، لكن هناك حاجز: هم أشخاص مؤثرين أو مشاهير يخشون من تضرر سمعتهم عند إطلاق منتج أولي بسيط في السوق.

التحدي مع نمط التفكير هذا هو كلمة "إطلاق" ربما تضخّم الأمر أكثر من اللازم. إطلاق منتج في السوق يعني أن تختبره مع مجموعة صغيرة تسمى المتبنين الأوائل، ربما تكون 10 أو 100 حسب نموذج العمل والفئة المستهدفة.

هل تذكر النسخة الأولى من تويتر؟ أو لينكدإن؟

غالباً لا. المستخدم لا يحكم على النسخة الأولى، بل على ما تضيفه له. الرهان على السمعة هو رهان على التوقعات لا الحقائق.


3. "أنا مهندس وأقدر ابني بسهولة"

سمعتها عدة مرات أيضاً ومن أشخاص متميّزين للغاية. عادة يكونون بخلفيّة تقنية، مطوّرين يستطيعون تطوير المنتج بأنفسهم وإخراجه بشكل بديع، لا يحتاجون فرق عمل مساندة ولا تعاقد مع شركات ودفع مبالغ بسيطة أو طائلة.

التحدي هنا أن بناء المنتج في حد ذاته ليس غاية أو هدف، بل وسيلة للتحقق، ثم النمو. جودة المنتج، أو قاعدة الأكواد هي مشكلة سابقة لأوانها.

انظر حولك: معظم المنتجات الناجحة عليها شكاوى من بعض جوانبها، لكنها نجحت واخترقت السوق. وعلى الجانب الآخر، كم مرة سمعت "سبق وطورنا منتج مشابه، لكن سبقونا بالسوق"؟ الفرق ما كان في البناء، بل في التوقيت والجرأة على التحقق.

لو كنت مهندس، فأنت تمتلك كنز ثمين لكن أنصحك تتكامل مع شخص يفهم التسويق أو تطوير الأعمال، يساعدك على الوصول للسوق بسرعة، والحصول على ردود أفعال حقيقية تساعدكم على التحقق والنمو.


4. "عندي فريق والموارد موجودة"

الخطأ هنا هو الاعتقاد أن وجود الفريق والموارد يعني ضرورة استخدامها لبناء نسخة متقدمة. بينما الصحيح وجود فريق وموارد فرصة لاختبار عدد أكبر من الأفكار بشكل أسرع، وتجربتها قبل الالتزام ببناء متقدم.

في استديو هلايلا للشركات الناشئة، عشرات المنتجات بعد تجارب أولية محدودة. والسر هو التحقق السريع. يحكي لي أيضاً أحد مؤسسي معامل الشركات الناشئة أنهم يختبرون سنوياً أكثر من 100 فكرة لكن كل فكرة تختبر بشكل سريع وبأقل مجهود.

التحقق هو البوصلة. بدونها كل الموارد تتحول إلى تكلفة مرهقة.


الخلاصة

ما طرحته هنا لا يلغي وجود حالات تستدعي بناء متقدم، لكنها الاستثناء لا القاعدة. الرهان على البناء الكامل قبل التحقق سبب ضياع كثير من الفرص. الغالبية يحتاجون منتج بسيط يُطلق ويتعلم ويتدرج في تقديم القيمة في السوق بدلاً من الافتراض والتخمين.

نشرة يمان
نشرة يمان
كل سبت

أحكي تجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات نمو المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.