هرم الابتكار بالذكاء الاصطناعي
كيف تتجاوز أدوات الذكاء الاصطناعي كوسائل، وتصنع منها استراتيجية نمو؟
يشغل بالي هالفترة لماذا تقرر جهة تبنّي (أو تجاهل) مبادرات للذكاء الاصطناعي لاسيما مع كل الضجيج الحاصل في هذا السوق. وعندما تلتفت للأحاديث والأخبار حولنا تجد أن معظم تلك النقاشات تذهب نحو الأدوات الفنية والتقنية مثل البيانات والأتمتة والنماذج الكبيرة والبنية التحتية، أو أخبار متسارعة حول تقنية ظهرت أمس وأخرى أطاحت بها اليوم...
وبين هذا وذاك تضيع النقاشات المهمّة، وهي أن الابتكار الحقيقي لا يبدأ من الأدوات بل من القيمة التجارية والأهداف الاستراتيجية للمنظومة.
رحلة الابتكار والتحوّل للذكاء الاصطناعي تمر بثلاث مراحل تشكّل هرم القيمة:
رفع الكفاءة التشغيلية
تحسين الإيرادات
صناعة الميزة التنافسية

1. رفع الكفاءة التشغيلية
الذكاء الاصطناعي هنا لا يتعامل مع العميل مباشرة، بل مع قلب المؤسسة الداخلي. الهدف هو تقليل الهدر، تسريع التنفيذ، وتحسين جودة القرار الداخلي عن طريق جعل المنظومة تعمل بشكل أسرع وأذكى وأقل تكلفة.
أمثلة من الواقع:
في قطاع التوصيل، التنبؤ بالأعطال وإعادة جدولة الشحنات تلقائيًا لتقليل التأخير.
في قطاع البنوك، أتمتة مراجعة طلبات القروض عبر نماذج تتعلم من سجلات البيانات السابقة للعملاء.
في هذه المرحلة تبني الأساس: كفاءة تشغيلية أعلى وقدرة أكبر على التوسع والانتقال للخطوات التالية من الهرم.
2. تحسين الإيرادات
بعد أن تصبح العمليات أكثر كفاءة، يأتي دور القيمة مع العميل. في هذه المرحلة، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين تجارب قائمة حاليًا، بجعلها أكثر تخصيص وسلاسة وذكاء. الهدف هنا تحسين معدلات التحويل وولاء العملاء الحاليين.
من الأمثلة على تحسين الإيرادات:
في التجارة الإلكترونية، أنظمة توصية المنتجات التي تتعلم من تفضيلات العميل وتزيد من احتمالية الشراء.
في منصات السياحة، اقتراح فعاليات مناسبة لك بناءً على سلوكك وتفاعلاتك السابقة مع المنصة.
هذه المرحلة تعزّز الإيرادات بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق الذكاء المدمج في التجربة الذي يُشعر العميل أن الخدمة تفهمه.
3. صناعة الميزة التنافسية
المرحلة الثالثة هي ذروة الابتكار، حيث لا يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين الموجود، بل لابتكار ما لم يكن موجود، من خلال بناء تجارب رقمية جديدة بالكامل.
أمثلة لصناعة الميزة التنافسية:
في القطاع المالي، دخول شركات التقنية المالية أو البنوك لمزاحمة المستشارين الماليين، عن طريق مساعد صوتي ذكي، يمكن للعميل أن يسأله: «لماذا انخفضت محفظتي 2٪ اليوم؟» فيحلل النظام بيانات السوق ويجيب بلغة طبيعية.
في القطاع الصحي، شركة قائمة في تقنيات الصحة تتيح لعملائها كبار السن مساعد صحّي يتابع الحالة الصحية لحظة بلحظة وينبه الطبيب مع ظهور الأعراض الأولية التي تستدعي تشخيص أو تدخل طبي أو علاجي.
هذه المرحلة تصنع ميزة يصعب تقليدها؛ لأنها لا تعتمد فقط على البيانات أو التقنية، بل على مزيج بين أصول المنظمة الرقمية، وخبراتها في السوق، وجودة علاقتها مع عملائها. هذه المرحلة التي تصنع الاستدامة للمنظمة وتقلل من مخاطر فقدان حصّة سوقية للشركات المبتكرة الجديدة اللي تزعزع السوق.
الخلاصة أن التركيز فقط على الأدوات والتقنية ينتج عنه مشاريع محدودة، أما النظر إلى الأهداف التجارية وتشكيل سلسلة القيمة هو الذي يحوّل الذكاء الاصطناعي من مشروع محدود إلى استراتيجية نمو واستدامة للمنظمة.

أحكي تجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات نمو المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.