كيف يخترق الفيل السوق؟
عن المنتج "العملاق" وخطة الـ 100 تواصل لكسر جمود الخروج للسوق

هناك معضلة تواجه الشركات اللي استغرقت وقت طويل في بناء منتج مليء بالمميزات والخصائص. خلال الأشهر الماضية تواصل معي ثلاث شركات ناشئة مختلفة لكن لديهم نمط متشابه: كلهم طوّروا منتج "متكامل وشامل" حسب توصيفهم، ويحتاجون الآن للنزول للسوق وبيع المنتج. لكن في النهاية ضخامة الحلول تسبّب تحدّي من عدة جوانب:
كيف نخترق السوق؟ المنتج يناسب فئات كثيرة لأنه مليء بالمميزات، كيف نبدأ وأي فئة نختار؟
الارتباط العاطفي مع المنتج: كلما بذلت أكثر تعلقت أكثر، وأصبحت تحب المنتج لذاته و "كما هو"، وأصبحت أكثر تصلب وعدم تقبل لفشل بعض التجارب والاختبارات. وبسبب التعلق الزائد، تكون مرحلة التجريب ثقيلة على المؤسسين، ويجرّهم معضلة المقارنات والتحسين.
معضلة المقارنات والتحسين
في القصص الثلاثة السابقة التي ذكرتها وغيرها من الحالات، لاحظت أن المؤسسين الذين تأخروا في الخروج للسوق وأسرفوا في تخيّل المنتج بصورته النهائية ورؤيته البعيدة، ازداد تعلقهم وارتباطهم العاطفي بالمنتج، ودخلوا في دائرة غير منتهيّة شكلها كالتالي:
ينفذون أبحاث أكثر للسوق والمنافسين ويظلوا في دائرة المقارنة بينهم وبين المنافسين، بدل من اختبار النزول للسوق وكسب العملاء.
وكثرة المقارنة تكبّر الفجوة وتعمق شعور المثالية والرغبة في الإنجاز، فيدخلون في دائرة تحسين جديدة، ثم دائرة بحث جديدة وبعدها تحسين.
100 محاولة بيع
الحل حتى يتم كسر معضلة المقارنات والتحسين في المنتجات الضخمة والشاملة التي تغطي احتياجات شرائح واسعة من المستخدمين، هو الدخول في مرحلة تجريب لبيع المنتج لمائة عميل: 100 محاولة بيع، بدون تحليل لشرائح العملاء، بدون تحليل لمشهد السوق، بدون فلترة لحجم العميل وقوته. فقط البيع وبكل الطرق ووسائل البيع المتاحة: اتصال، اجتماع أونلاين، اجتماع حضوري، تواصل لينكدن، وغيره.
أحد الشركات الناشئة في مجال تقنيات التعليم والتي عملنا معها على ناقشنا معهم اختراق السوق، كان المنتج الرقمي، من حيث الخصائص، مبهر جداً ومليء بالخصائص التي يؤمن المؤسسين أنها ستحدث فارق كبير مع عملائهم المستقبليين (وهم فئة المدارس). استغرق الفريق وقت طويل في تطوير المنتج لأنه، بحسب المؤسسين، تطلب المدراس حلول متكاملة ولا تتحمل رفاهية الاختبارات اليدوية أو الحلول البسيطة. كيف يخترق منتج "ثقيل كثير المميزات" مثل هذا السوق في البداية؟
الحل الأفضل هو العملي، اقترحنا عليهم يتواصلوا مع 100 عميل محتمل وتسويق المنتج، بدون تفكير في تشريح العملاء أو أهليتهم لاستخدام المنتج. الفيصل هو التفاعل وربّما تُذهل وتكتشف أن أقل الشرائح التي توقعت تفاعلهم هم الأكثر حاجة ورغبة في الدفع لاستخدام المنتج.
100 اتصال لا تعني 100 عميل، لكن تعني 100 ردّة فعل على طلب الشراء، تعني 100 درس نتعلمه من هذه التجربة، ربّما نستطيع بيعه ل 10 فقط أو أقل من ذلك، لكن الهدف هنا ليس البيع في حد ذاته بل تحديد خطواتنا القادمة بشكل أكثر دقّة بعيداً عن التوقعات والتخمينات، بل من لسان العملاء:
ما هي أكثر فئات العملاء التي تفاعلت معنا؟
ما هي أكثر ميزة انجذبوا لها؟
ما هي الأسئلة التي تكرّرت بين تلك الفئة؟
ما هي العبارة أو الميزة التي ذكرناها وساعدت في إغلاق الصفقة؟
ما هو السؤال الذي لم نستطع الإجابة عليه وبسببه اعتذر العميل عن الشراء؟
في المرحلة الأولى يحتاج المؤسسين إلى التجريب والاختبار، خصوصاً إذا كانت شرائح العملاء غير واضحة أو أن المنتج يلائم الكثير من الفئات المستهدفة. لا يحتاجون إلى "خطة خروج للسوق" بل محاولة البيع وبسرعة لأي شخص يظهر عليه اهتمام، بهدف معرفة من يهتم فعلاً بالمشكلة اللي يحلونها.
في المرحلة التالية وبعد اجتياز المرحلة الأولى من محاولات البيع لمائة عميل، ستبدأ تلاحظ نمط واضح، فئة محددة تتفاعل وتتجاوب وتشتري. ثم تأتي المرحلة الثانية: التركيز وبناء ماكينة النمو هنا تبني النظام اللي يخليك تبيع نفس المنتج لنفس الفئة بشكل متكرر، لنفس الفئة، مع اختبار وتحسين وتنويع لقنوات وأدوات البيع والتسويق.

أحكي تجاربي خلال تسعة سنوات في إطلاق الشركات الناشئة واستراتيجيات نمو المنتجات الرقمية، وأحياناً تجارب شخصية.